الصفحة الرئيسية
اتصل بنا
دليل الأطباء
صفحات الاطباء
English
من نحن
زوايا
المقدمة
شخصية العدد
ملف العدد
فخر الاردن
صحة قلبك
الراحة النفسية
علاقات انسانية صحية
رياضة وصحه
أبراج صحية
شغب
دراسات
مقدمة
مركز التحالليل الطبية
سكري صحي
تغذية صحية
صحة المرأة
التوحد
شركات طبية
السياحة والأثار
اسعافات أولية
قصة
عيادة قلب الاردن
ريبورتاج
ملف الأباء والابناء
القطاع الطبي المؤنث
منوعات طبية
بقلم طبيب
امراض الاطفال
امراض الكلى للاطفال
الإعاقة العصبية والألم المزمن
أمراض الأعصاب والدماغ
أمراض انف واذن وحنجرة
الامراض الباطنية
أمراض جلدية وتناسلية
أمراض الجهاز الهضمي والكبد
طب الأسرة
أمراض وجراحة العيون
أمراض وجراحة النسائية والتوليد
أمراض روماتيزم ومفاصل
أمراض سكري وغدد صماء
الامراض الصدرية
أمراض وجراحة الكلى والمسالك البولية
أمراض الدم والأورام
أمراض الدم والأورام للأطفال
الاشعة العلاجية للاورام
الطب النووي
أمراض قلب وشرايين
امراض القلب للاطفال
تغذية سريرية
جراحة الاطفال
جراحة الاوعية الدموية
جراحة قلب وشرايين وصدر
جراحة عظام ومفاصل
الطب الطبيعي والتاهيل
جراحة التجميل والترميم
جراحة الاعصاب والدماغ
جراحة اعصاب ودماغ الاطفال
جراحة عامة وجهاز هضمي والمنظار
الطب العام
الطب النفسي
الرعاية التلطيفية
الطب الصيني
التداخلات الجراحية
طب وجراحة الاسنان
تقويم الاسنان
تحاليل طبية
مركز المعلومات الدوائية
اصدارات
طبيبك
الصفحة الرئيسية
>>
قصة
>> ياسمين / بقلم حمزة حمّاد
ياسمين / بقلم حمزة حمّاد
التعليقات
Tweet
عادت إلى منزلها مشوشةً، وكأن قبضة الحيرة قد أحكمت عليها خير إحكام، بعد أن احتفلت بعيد ميلادها الثاني والعشرين مع ذلك الشاب الذي أحاطها بالمحبة والاهتمام عاماً ونيف. ولولا تلك الوعود الجميلة التي بدأت براعمها تتفتح في هذا اليوم لما حال حائلٌ دون ترشحه ليكون يوماً تاريخياً في حياتها.
دخلت المنزل تحمل في يدها هديةً، وعلى كاهلها هماً ثقيلاً، تكاد تنوء به، فهي حديثة عهدٍٍ بالهموم، فما زالت منذ يومها الأول في هذه الدنيا مغلفةً بالرعاية، يلفها الدلال من كل جانب.
وبابتسامتها المعتادة، استقبلتها خالتها، التي تعيش معها وتعتني بها منذ وفاة والدتها، غير أن ابتسامتها هذه المرة كانت سريعة الذوبان ككسرة شمع سقطت على سطح ساخن. فاحتضنتها بكل ما أوتيت من لهفة وحب، متسائلةً عما أهمها، وأسكن الضيق مكان السرور في يوم لا يليق به ثوبٌ غير الفرح...!
أرادت ياسمين أن تختصر الكلام بابتسامة هي للتنهد أقرب منها للابتسام. وتنسلت من بين ذراعي خالتها ودخلت غرفتها وألقت بنفسها على سريرها الذي تكسوه الدمى المحشوة والوسائد. ولا غرْوَ في لحاق خالتها بها، لتعيدها إلى ذراعيها من جديد، وتداعب خصلات شعرها التي أبدعت "الكوافيرة" تجعيدَها وتصفيفـَها، وراحت تلقي لها بعباراتها الغزلية الواحدة تلو الأخرى، وهي ترمي بهذه المداعبات إلى استطلاع أسباب هذه الحال الأولى من نوعها منذ اثنين وعشرين عاماً...!
وبدأ الكلام يتسلق أعماق ياسمين إلى شفتيها كما يتسلق الزئبق قصبة ميزان الحرارة فيتسلل من قاعه إلى أعلاه، وأخبرت خالتها بأن هذا الشاب يريد أن يتقدم لخطبتها، ولكنها لا تستطيع أن تحتمل وجود سبع فتيات معه في مكان عمله؛ لأن غيرتها عليه تقتلها.
ولكن يا صغيرتي هذا مكان عمل، وليس مكانا للهو. وكل من هم فيه قد تركوا بيوتهم صباحا وجاؤوا ليقوموا بما كلفوا به من عمل، فيعيلوا أنفسهم وأسرهم. وما دام الذي بينكما حب فليس يجدر بمثل هذا الأمر أن يكون له كل هذا الأثر في نفسك. ليتك يا حبيبتي لا تحمِّلين الأمر أكثر مما يحتمل، فلو أراد أن يتزوج بإحداهن لما تقدم لخطبتك أنت. ألم يترك زميلاته السبع ليحتفل معك بعيد ميلادك؟ وهو لو شاء لقطف من بينهن الزهرة التي تغارين عليه منها؟
يا خالة، ترهقني فكرة أن يتركني ثماني ساعات كل يوم أتحرق من الشوق عليه وأنا أعلم علم اليقين بأن سبع فتياتٍ بكامل أناقتهن يحطن به، فأظلُّ أنا محرومة منه ويستمتعن هنَّ بصحبته.
كان شرطـُها بأن يترك عمله ويبحث عن عملٍ آخر غيرُ مقنع ولا مقبول عنده البتة. فرفض، ورفضت هي. وأخبرت خالتها بأنها تفكر جديا بقبول الارتباط بابن عمتها الذي سبق وأن طلب يدها أكثر من مرة. ولم لا وهو شاب جامعيٌ ومهذبٌ فيه من الصفات ما تحب كل فتاة. وأكثر ميزاته جاذبية أنه يعمل في مكتب (رجالي) بحت، وهو بالنسبة لها (عز الطلب).
ويا برد ما قالت ياسمين على كبد عمتها التي لطالما تمنتها زوجة ً لابنها الوحيد. وبكل ما آتاها الله من فرح وسرور اهتمت بكل تفاصيل العرس، فهي ليست فقط أم العريس بل وفي مقام أم العروس أيضا.
أزعجها اهتمام عمتها الزائد بأدق التفاصيل، وزياراتها الكثيرة، واتصالاتها الأكثر، قبل العرس وبعده. إذ لم يقتصر اهتمامها على كل ما يحيط بياسمين، لا بل تسلل أيضا إلى داخل احشائها. وكادت تتفوق في فرحها بالمولود القادم على ياسمين وزوجها الذي طالما سألت الله أن يريها أولاده يلعبون حولها.
اطمأنت العمة، التي تعبت في حمل حفيدها كأنها هي الحبلى، لحال الوالدة والمولودة. ثم ودعتهم بسلام. واستقلت الطائرة لترجع إلى البلد الذي تقيم فيه. ولم يخالج ياسمين شك بأن هواتف البيت الثابتة والنقالة لن تهدأ طيلة الشهور الستة التي ستغيبها العمة العزيزة.
أعجبها مذاق ذلك الهدوء الذي افتقدته منذ مدة. وبدأت تلتفت لنفسها ولوليدتها أكثر.
أخذت طفلتها بين ذراعيها بحنان لترضعها. وراحت تتأمل محياها الذي لولا هذا الشحوب الذي يداعب ملامحه لكان أبعث شيءٍ للسرور في نفسها. وكانت أصابعها تمر على جبين طفلتها تمسح عنه حبات العرق الأشبه بقطرات الندى.
وبينما كان يجول في خاطرها تساؤلُ من تعوزها الخبرة عن سبب تعرق طفلتها، فإذا بالعمة تطرد ما في خاطرها من أفكارٍ بهاتفٍ متلهفٍ تطمئن به على حال حفيدتها الغالية: هل صحتها جيدة؟ هل ترضعيها بشكلٍ كافٍ؟ هل حالها على ما يرام؟
والله يا عمة أنا لا أبخل عليها بشيء أبدا، ولكن هي التي لا تطيل الرضاعة. ولا تريد أن تكبر يا عمة؛ وزنها متقاعس وقد سبقها أقرانها مع أني لم أبعدها عن صدري قط!
كم أنا فخورة بك يا زوجة ابني الحبيبة. وماذا تنتظرين حتى الآن؟ لماذا أنت في المنزل والأجدر بك أن تكوني في عيادة الطبيب المنهمك في تشخيص وعلاج قرة أعيننا جميعا؟
ودون أي إبطاءٍ ولا وعيٍ وجدت ياسمين نفسها في عيادة الطبيب، تصف حال طفلتها له وتخبره عن أنفاسها السريعة، ودقات قلبها المتزايدة التى لم تخفى عليه، كما ولم يخالجه بعدها شك فيما تنبأ. لكن لم يكن له بدٌ من فحص دم الطفلة وتصوير قلبها بأشعة الموجات فوق الصوتية قبل أن يخبر ياسمين بأن قلب طفلتها متضخم قليلا وبين بطينيه ثقبٌ من شأنه أن يؤدي إلى تضخم الرئتين كما أظهرت الأشعة السينية...!
لم يـُخـِفْ ياسمين شيءٌ من قبل كما أخافها خبر ضرورة الحل الجراحي لسد الثقب في قلب ابنتها التي لم يخلق الله أغلى منها ولا أحب إلى قلب ياسمين في هذه الدنيا. ومرة أخرى وجد الطبيب نفسه مضطرا ليخبرها بضرورة الإقدام على إنقاذ طفلتها وإلا فإن زيادة الضغط الرئوي سيؤدي إلى ما لا يحمد عقباه من الإغماء وضيق التنفس وألم الصدر، وزيادة على هذا وذاك فإن عدم وصول القدر الكافي من الأكسجين إلى الأنسجة سيؤدي إلى ازرقاق الجلد. وما من أم ٍ إلا وتؤلمها رؤية فلذة كبدها في حالٍ كهذه.
كان الخيار الوحيد أمام ياسمين لسد ذلك الثقب الذي أرهق قلب ابنتها هو القبول بالقسطرة القلبية التي أوصى بها الطبيب. ثم قضت يوما بجانب ابنتها في المشفى واحتضنتها عائدة بها إلى المنزل تشكر الله وتحمده على أن منَّ عليهم بنجاة قرة العين.
وبينما هي متجهة نحو الباب الرئيسي للمشفى فإذا بتهنئةٍ، تعرف تفاصيل صوتها جيدا، تخترق كل الفوضى والضجيج الذي يعج به الممر المؤدي إلى الباب، فلم تضل طريقها إلى سمع ياسمين، فكان لها إيقاع أخمد في نفسها كل الأصوات التي ازدحم بها الممر...!
أنا أيضا تزوجت. وأنجبت زوجتي طفلة، في قلبها ثقب بين الأذينين، لكنه ثقب صغير كلـَّفَ الله به الأيام فتعهدت الجدار المثقوب بالرعاية والترميم. فربما لا يكون لكل قلبٍ ثقبٌ، ولكنَّ الله جعل لكل ثقبٍ رقعة.